جلد جديد للدولار، محفظة جديدة للفساد: ترامب يحول البيت الأبيض إلى منصة تداول العملات المشفرة

في تاريخ السياسة الأمريكية، لم يكن هناك رئيس مثل ترامب، الذي دمج السلطة الوطنية، العلامة التجارية الشخصية والمضاربة المالية في تجربة عالمية النطاق.

الجمع بين المال والسلطة ليس جديدًا، لكن عندما يظهر هذا الجمع في شكل "رمز"، وعندما تتحول صورة رئيس الدولة إلى أصل قابل للتداول، وعندما يمكن أن تنتقل التأثيرات السياسية بحرية على البلوكشين، فإن ما نواجهه لم يعد فسادًا بالمعنى التقليدي، بل هو إعادة هيكلة على مستوى النظام.

ما توثقه هذه المقالة ليس فضيحة فردية، بل تحول في النموذج: لم يعد الرئيس مجرد شخصية سياسية، بل أصبح أكبر حامل عملة في الاقتصاد اللامركزي؛ ولم تعد العلاقات الدبلوماسية تُعقد في الغرف المغلقة، بل أصبحت مرتبطة بعناوين المحفظة. كانت التكنولوجيا تُعتبر ضمانًا للشفافية والعدالة، لكنها اليوم قد تصبح وسيطًا جديدًا للسلطة.

عندما تدخل العملات المشفرة إلى البيت الأبيض، وعندما تتشابك ظل الدولار الرقمي مع إرادة الدولة، يجب علينا إعادة التفكير في سؤال: في عصر "السيادة على السلسلة"، هل لا تزال هناك حدود للسلطة؟

فيما يلي النص الأصلي.

محفظة السلطة الجديدة: كيف دخلت العملات المشفرة إلى البيت الأبيض

إذا كنت زعيمًا سلطويًا يحاول التأثير على رئيس دولة آخر، فقد تهديه طائرة بوينغ 747 فاخرة؛ أو قد تنفق ببذخ في فنادقه، أو تستثمر في العديد من الشركات التي يملكها هو وأولاده؛ أو حتى تشتري الأحذية الرياضية، NFT وغيرها من المنتجات التي يطلقها.

أما في حالة الرئيس ترامب، فإن "وسطاء السلطة" المحتملين لديهم قائمة خيارات أكثر ثراءً.

لكن اليوم، كل ذلك يبدو زائدًا عن الحاجة.

خلال الحملة الانتخابية، أعلن ترامب عن خطته للعملات المشفرة—World Liberty Financial—وأطلق قبل أيام من توليه المنصب "عملة ميم" تحمل اسمه. أي شخص يشتري رموز World Liberty يمكنه بشكل غير مباشر ضخ الأموال في شركات عائلة ترامب. من خلال مشاريع العملات المشفرة التي يسيطر عليها الرئيس وأبناؤه وأصدقاؤه، راكمت عائلة ترامب ثروة دفترية بمليارات الدولارات.

أصبحت World Liberty قناة تأثير قوية: أي شخص—سواء أنت أو أنا أو أمير من الإمارات—يحتاج فقط إلى شراء الرموز التي تصدرها الشركة ليملأ جيب ترامب.

المفتاح هنا هو هذه "السهولة". بالنسبة لمن يسعى للتأثير، تم استبدال الحقائب المليئة بالنقود وحسابات البنوك السويسرية برموز مشفرة يمكن نقلها بسرعة بين المحافظ والبورصات. أما المستخدمون الأكثر خبرة في العملات المشفرة—الجهات الحكومية، مجموعات الهاكرز، جماعات غسل الأموال—فيمكنهم أيضًا إخفاء آثار معاملاتهم باستخدام أدوات مثل "المزج".

وهذه السهولة هي أيضًا ما يجعل العملات المشفرة الأداة المفضلة للمنظمات الإجرامية ومتهربي العقوبات.

وهم الشفافية: عندما يحدث الفساد باسم "اللامركزية"

هذا أمر غير مسبوق في تاريخ السياسة الأمريكية.

بالنظر إلى فضائح الحكومات السابقة—مستشاري الفساد حول الرئيس جرانت، رشاوى عقود النفط في "فضيحة تي بوت دوم" في عهد هاردينج، وحتى "فضيحة ووترجيت" مع نيكسون—لم يحدث أبدًا أن خلط رئيس بين مصالحه الشخصية والحكومية بهذا الحجم، ولم يحقق أحد قبله مثل هذه الأرباح الشخصية الضخمة.

لا يوجد هنا أي ابتكار حقيقي، فالجديد حقًا هو أن الرئيس الحالي يستغل اسمه وصورته ونفوذه على وسائل التواصل الاجتماعي علنًا للترويج لرموز مشفرة لا تختلف كثيرًا عن آلاف المنتجات الأخرى في السوق. في نظر مؤيدي MAGA والمضاربين العاديين، قد يعني شراء هذه الرموز "خسارة كل شيء"؛ أما أن يقود الرئيس بنفسه أنصاره السياسيين إلى استثمارات عالية المخاطر كهذه، فهو أمر يستحق الإدانة بحد ذاته.

لكن الخطر الأكبر هو أن القوى الأجنبية القوية قد تستغل ذلك لضخ أموال ضخمة إلى ترامب.

بالنسبة لأي رئيس دولة، أصبح شراء رموز ترامب أو الاستثمار في مشاريعه المشفرة تصرفًا سياسيًا مضاربيًا مباشرًا.

هذا بالضبط هو الحافز المشوه الذي خلقه "صندوق تبرعات العملات المشفرة" الخاص بترامب.

خذ على سبيل المثال اثنتين من صفقات المليارات الأخيرة بين إحدى الشخصيات الأكثر نفوذًا في الإمارات—الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان—ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف:

في الصفقة الأولى، تعهد صندوق استثمار حكومي يقوده طحنون باستثمار 2 مليار دولار من عملة USD1 المستقرة (الصادرة عن World Liberty Financial) في Binance، أكبر بورصة عملات مشفرة في العالم. (العملة المستقرة هي عملة مشفرة تهدف إلى الحفاظ على قيمة مستقرة وتعمل كبديل لـ"الدولار الرقمي").

ومن الجدير بالذكر أن مؤسس Binance، تشانغبينغ تشاو، يسعى الآن للحصول على عفو من ترامب بعد اعترافه بجريمة غسل الأموال.

في الصفقة الثانية، توسط ويتكوف ورئيس "الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة" الذي عينه ترامب—المستثمر ديفيد ساكس—في اتفاق يسمح للإمارات بشراء مئات الآلاف من شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة لبناء مراكز بيانات. هذه الشرائح مطلوبة بشدة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي وتخضع لقيود تصدير صارمة. ويخشى الخبراء من أن الإمارات قد تعيد بيع هذه الشرائح أو تشاركها مع شركات صينية.

رغم عدم وجود أدلة قاطعة على وجود "تبادل مصالح" واضح في هاتين الصفقتين، إلا أن المشاركين وشبكات المصالح متداخلة للغاية، وأصبح نمط الخلط بين العام والخاص سمة مميزة لإدارة ترامب.

استخدام طحنون عملة USD1 المستقرة بقيمة 2 مليار دولار أمر يثير التساؤلات بحد ذاته.

لو كان هدفه فقط الاستثمار في Binance، لكان بإمكانه التحويل مباشرة.

اختياره استخدام عملة USD1 المستقرة من World Liberty Financial كـ"وسيط"، هو في الواقع ضخ دماء جديدة لشركة يستفيد منها ويتكوف وترامب مباشرة.

رغم رائحة الفضيحة، فإن معظم أنشطة ترامب المشفرة تتم في بيئة شبه علنية.

حتى بعض الشخصيات سيئة السمعة في عالم العملات المشفرة يتفاخرون علنًا على وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم اشتروا عشرات الملايين من رموز WLFI.

وأكثرهم نشاطًا هو رجل الأعمال الصيني في مجال العملات المشفرة، جاستن صن—الذي يستعرض باستمرار على وسائل التواصل الاجتماعي حيازته الكبيرة من رموز World Liberty وعملة ترامب الميمية، ويضع نفسه كداعم رئيسي لإمبراطورية ترامب المشفرة.

في فبراير من هذا العام، طلبت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) من قاضٍ فيدرالي تعليق دعوى الاحتيال المدني ضد جاستن صن، ووافق القاضي على هذا الطلب. وفي مايو، تمت دعوة جاستن صن، كواحد من أكبر حاملي عملة ترامب الميمية، إلى عشاء في نادي ترامب الوطني للغولف في فرجينيا—حيث تلقى ساعة ذهبية هدية من الرئيس.

لو حدث مثل هذا التضارب الواضح في المصالح في الماضي (أي قبل بضع سنوات)، لكان الكونغرس قد عقد جلسات استماع، وفتحت وكالات إنفاذ القانون تحقيقات.

لكن قرار المحكمة العليا الأخير بشأن "حصانة الرئيس" جعل هذه آليات الرقابة شبه عديمة الجدوى.

وزارة العدل لن تلاحق الرئيس الحالي قضائيًا.

وفي بداية ولايته الجديدة، أقال ترامب 18 مفتشًا عامًا—وهم الأشخاص الذين كان بإمكانهم كشف والتحقيق في أنشطة الحكومة المشفرة. وفي فبراير من هذا العام، أمر وزارة العدل بتعليق تنفيذ "قانون مكافحة الفساد في الخارج" (الذي يحظر رشوة المسؤولين الأجانب)، ولم يُستأنف التنفيذ إلا بعد أربعة أشهر.

في الوقت نفسه، بدأت الهيئات التنظيمية في تحويل تركيزها بعيدًا عن مجال العملات المشفرة، بينما ساعدت إدارة ترامب في دفع جدول تشريعي يفضله قطاع العملات المشفرة.

يبدو أن تراكم ثروة ترامب وأبنائه من العملات المشفرة سيستمر في التوسع خلال فترة ولايته.

ولا يوجد حتى الآن أي "حد أقصى" يمكن أن يمنع تدفق الأموال الأجنبية المستمر. هذا الباب مفتوح أمام فساد على أعلى مستوى لم تشهده أمريكا من قبل. وعلينا أن نواجه الإمكانيات المظلمة التي يجلبها ذلك.